دراما رمضان 2023

قراءة نقدية لمسلسل ( تحت الوصاية) الجزء الأول


كتبت د/ امل عبد العزيز

١ – أولا :-
لم أرى سيناريو واخراج و فريق تمثيل متمكن و دور نسائي تقوم بأدائه ممثلة مصرية بهذا الاقتدار منذ فترة طويلة .. واستطاع المخرج (محمد شاكر خضير) أن يدير كل أدواته بشكل متقن.. فأخرج لنا هذا الابداع المتكامل .. من خلال موضوع اجتماعي .. هو وصاية الأم على أبناءها بعد موت الزوج وطرح سؤال لماذا تذهب الوصاية لأب الزوج أو العم عند وجود خلافات قضائية وليس للأم التي حملت فيهم وأنجبتهم وتقوم بتربيتهم .. فجسد من خلاله مدى الاضطهاد الشرس التي تتعرض فيه هذه المرأة في المجتمع الذكوري المتوحش مثل مارأينا في هذا العمل الفني المتقن .. نعم متوحش لأن الذكر هنا تعرضت مصالحه الوجودية بالخطر من قبل تحدي المرأة التي تدافع عن وصايتها على أبناءها وحقها في الوجود مع أبناءها وحقهم بالانتفاع عما تركه الأب لهم .. فوظف كل امكانياته الذكورية المتفوقة التي منحتها له الطبيعة والمجتمع ضد المرأة بكل امكانيتها المنتقصة من قبل الطبيعة والمجتمع .. فكشر عن أنيابه المفترسة للقضاء على هذا الكائن الأنثوي الذي فرضت عليه المقاومة المستميتة والوقوف بالند ضد نده لانتزاع حقها في الوجود في هذه الحياة الظالمة منها والتي فرضت عليها الظلم فرض .. فانكشف الغطاء الاجتماعي الظالم .. وتصبح تلك هي المسألة كما ذكرها شكسبير تعبيرا صادقا عن الحسم الفلسفي للوجود في الحياة ..
أكون أو لا أكون ..
فانهزمت أمامه جميع المبادئ والقيم والخلق الأنسانية الكاذبة الذي يرسمها مجتمع رافض المراجعة والانصاف فيما قرر من مئات السنين .. في هذ المشهد المأساوي .. التي امتلأت به حناجر الاعلام المزيف للمجتمع الجائر على المرأة .. والذي فشل باقتدار أن يثبت للجميع .. بأنه لم يستطيع أن يساير ما نظرته وكتبته كتب الإنسانيات والكتب الدينية السماوية والتطور الحضاري .. ليثبت للجميع أنه خارج الزمن .. ويقر على أنه لم يتحرك خطوة واحدة أبدا للامام عن زمن بدائياته الخلقية .. وبأنه لايعرف غير قانونه الأوحد الحيواني الأبدي .. البقاء للأقوى .. فلم يترك طريق استرداد الحق إلا بالقوة .. اللغة التي لايعرف غيرها .
نعم حقا نحن نعيش في مجتمع متخلف عن الإرث الأنساني الذي استغرق إنشاءه آلاف السنين عبر كل هذه الحضارات .
– صور المسلسل بكاميرا شاعرية (بيشوى روزفلت) رغم واقعية الأحداث .. بكادرات جمالية وظفت المعنى المطلوب .. ووظف جميع الزوايا لكاميرته .. فجاءت كلها لوحات فنية دسمة الألوان محكمة التكوين ولها دلالات فنية وموضوعية .. بالأخص لقطات عين الطائر التي أعطت لنا احساس بأن الأحداث شاهد عليها و برعاية قوة الآهية من أعلى ..
ومن الجدير بالذكر أن 80٪ من المشاهد جاءت خارجية في شوارع الإسكندرية ودمياط و ميناء دمياط وفوق المركب مما لها من صعوبة كبيرة في التصوير .. إلا أنها جاءت ساحرة وغنية لحسن الزوايا والقدرة الفائقة للتحكم في الإضاءة .. والتحكم في التكوين داخل الكادر .. فاستمتعنا بصورة سينمائية عالية الجودة ..
و لقد وضح ولخص المخرج الرائع في مشهد النهاية البسيط والعبقري عندما وقفت الأم في قفص الاتهام للحكم عليها .. فخفض صوت النيابة والقاضي والمحاماة لدرجة أن لانسمعه بوضوح .. لينقل لنا شعور الأم حنان الذي لايعنيها كل هذا الكلام .. فهي تتكلم بلغة الإنسانيات كأم و التي لا تتقن غيرها وهو أيضا الذي دفعها لكل هذه الأحداث قامت بها و التي مرت بها طوال أحداث المسلسل .. وهي اللغة التي لايعلم عنها شيئا مجلس المحكمة الممثل لسلطة الدولة .
الحوار منقطع لاختلاف اللغة .. وأنهى نهاية
تأكيدية على ابقاء الوضع على ماهو عليه
.. ووضع الضحية داخل سيارة الحبس الصندوق الحديدي لتنفيذ الحكم عليها .. اشارة إلى أن الأمل ضعيف في الوصال وتقريب المسافات .. والتغيير سيحتاج جهد ووقت طويل .
المسلسل يعبر عن حالة ابداعية نادرة خالي من أي تطويل ممل فاكتفى بعدد الحلقات الخامسة عشر لاستوفاء المعنى .. مثل اللوحة الفنية التي ترفض اي اضافة خطية او لونية لها للاعلان عن اكتمال التعبير عنها .
الوجود التجاري الجشع لاوجود له هنا .. الذي يدفع بحشر أحداث لزيادة عدد الحلقات فيزيد مكسبه عند البيع للفضائيات والذي يجب التحية والاحترام لشركة الانتاج ( شركة ميديا هب سعدي – جوهر ) لأنها التزمت بالابداع والحاجة الفنية الضرورية فقط .. للخروج بهذا المسلسل الذي عوضنا عن غياب السينما المميزة لسنوات من خلال عمل مسلسل تليفزيوني متكامل .. فشكرا لهم .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى