دراما رمضان 2023

قراءة نقدية لمسلسل (تحت الوصاية) الجزء الثاني


كتبت د/ امل عبد العزيز

٢ – ثانيا :-
السيناريو ..
جاء السيناريو ( خالد دياب و شرين دياب) محكم البناء مقنع بتوالي الأحداث .. من خلال بيئة مكانية ساحرة . هي بيئة الصيادين التي تعتبر رمز للايمان بالرزق والتوكل على الوهاب الرزاق .. وباتقانه في رسم الشخصيات .. فكشف لنا .. منذ أن توفى زوج حنان .. وكثير الرجال يستغلون انتماءها للعالم الأنثوى المستضعف في هذا المجتمع الذكورى لمجرد أنها امرأة .. كل سبل الاستغلال مطروحة من أول عائلة الزوج المتوفي المتمثلة في أب الزوج عطية (جميل برسوم) وصالح أخو زوجها (دياب) ثم تاجر الجملة الجشع الحاج سيد (محمد عبد العظيم ) على ميناء دمياط ثم عمال المركب حمدى (خالد كمال) وشنهابي ( احمد عبد الحميد) والأسطى عيد ( علي صبحي ) الذين عملوا معها باستثثناء عم ربيع (رشدى الشامي) ..
– ولتسمحوا لي أن أناقش أشياء مهمة اعتمدت عليه حبكة المسلسل .. فنبدأ بسؤالين ولكنهما يفرضا نفسهما ..
– ‏ الأول .. لماذا القانون (1952) أعطى الوصاية للأب أو العم أي من العصب .. الإجابة .. لقدرتهم على الصرف ..!؟ هنا القانون اعتبر أن المرأة كائن عاجز عن العمل ..
والذي لايعرفونه أن هناك كثير من النساء
داخل المجتمع المصري هن مايقمن بالصرف على أبناءهن وأزواجهن أيضا لأن دخلهم ضعيف او عاجزين عن العمل .
والسيناريو هنا من أهم معطياته هو اثبات أن المرأة قادرة و باقتدار على العمل .. حتى أصبحت حنان تعمل مهنة شاقة جدا قد يعجز عنها كثير من الرجال ..! وهي ريس مركب .. بشهادة عم ربيع صاحب
الخبرة الطويلة كريس مركب وأعطى لها تاج المريسة بشكل رمزي .. وقد أوضح السيناريو أيضا بقدرة المرأة على العمل
في المهن التي رسمها المجتمع الذكوري للرجال فقط .. مثل مهنة سائق التاكسي وجسدته في دور دلال سائقة التاكسي ( ثراء جبيل) .. فالمشكلة هنا ليست في المرأة وقدراتها .. بل في المجتمع وبخاصة معشر الرجال .. فالتجربة تخبرنا ممكن بشرط .. إذا تخلصوا معشر الرجال عن غرورهم واستجابتهم السريعة لغرائزهم الحيوانية تجاه أي امراة .. أنا
هنا لا أعمم طبعا .. ولكن أقصد الغالبية ..
– السؤال الثاني .. ماهو الشئ المرهون بتمسك أو عدم التمسك لأب الزوج أو العم عن الوصاية ..؟
.. ببساطة عندما يترك الزوج ميراث مادي .
وهنا تكمن الحبكة .. لو كان الزوج لم يترك مركب كميراث .. كان أب الزوج والعم ذهبا طواعيتا إلى المحكمة وتنازلا عن الوصاية للأم وبهدوء ليس عطفا على الأم .. لا.. ولكن لعدم تحملهما للصرف والتربية .. ولذلك هنا السيناريو تعمد بحرق المركب في نهاية المسلسل .. ليقول لنا الصراع كان على امتلاك المركب هي الأصل .. وليس للوصاية على الأبناء وتربيتهم .. ليثبت لنا من هو الصادق في مشاعره ومن هو المزيف الذي يختبئ وراء القوانين التي وضعتها عقول تحكم بالشكل وليس بالجوهر .. ولأكتمال المأساة من الذي دفع الثمن .. من هو كان صادقا .. هي الأم .. وفي كل الأحوال الأم هي الغارمة الوحيدة في أي درامة هزلية في هذا المجتمع من هذا النوع .. وبدلا من ان نكرمها لتفوق غريزة الأمومة عندها على كل الغرائز .. نعاقبها ولو بشكل مستتر .. على أنها أم ..! قلت لكم اللغة مختلفة فانقطع الحوار .. وهذا ماأوضحته أحداث هذا المسلسل ..
مثل هذه الأحداث ..
_ أوضح لنا السيناريو من خلال الأحداث عن الجشع الجنسي لحمدى عامل المركب لها لمجرد أنها أنثى .. بدافع عن مخزونه الحيواني الذكورى الذي يستغل أي أنثى فرضت عليها الظروف أن تكون بمفردها .. وبدلا من ان يدان حمدى العامل على المركب .. لاعتداءه عليها فاضطرت تدافع عن نفسها بضربه بالسكين .. وبعد ماكان بين الحياة والموت استمر جشعه وطمعه مستضعف وضعها ليقايضها على نصف ايراد المركب معها . ونظرا لكتابة السيناريو بشكل محكم و متقن في رسم الشخصيات بتفاصيلها كلها .. نكتشف بتوالي الأحداث بأن المركب أصبح للجميع .. لها ولكل ما كان معها على المركب .. هو عودة الروح .. والعودة لحياة البحر .. الحياة التي لايستطيعون البعد عنها .. مثل السمك في البحر .. فانتقلت الملكية الضمنية لهم .. أي الانتماء
للم كب بالنسبة لهم جميعهم .. ووضح ذلك جليا عند دفاعهم عن المركب أثناء اعتداء صالح برجالته على المركب لانتزاعه من حنان .
– ونجح السيناريو ان يصنع توازنا في شخصياته .. وبخاصة في نوعية عنصر الرجال لكي لايقع في فخ التعميم للنوعية السلبية .. ولم يقع في التطرف الوصفي للشخصيات الرجالية السلبية فقط فيقع في التعصب لسيادة الفريق السلبي .. فيصبح عمل ميلودرامي فج .. بل جاء بالمقابل برسم شخصيات متوازنة ايجابية حكيمة تدرك قيمة المرأة وحقها في صون حقها .. فوقفوا في صف حنان .. مثل أستاذ ابراهيم ( أحمد خالد صالح) وزوج أختها ابراهيم ( علي الطيب ) وعلى رأسهم عم ربيع (رشدي الشامي) الذي كان معجبا بشخصيتها .. والذى أهدى لها وهو بيحتضر .. طاقيته البحرية تاج المريسة .
وعمال المركب أيضا بعد اقترابهم أكثر من جوهر شخصية حنان .. فتنازلوا عن نظرتهم الذكورية .. وعادوا لانتمائهم الإنساني الاصلي ..
– وجاء السيناريو بالاتفاق مع المخرج .. بنهاية مفتوحة صادمة فرضها عليهم اختيارهم لقضية مازالت حلقاتها مفتوحة في محاكمنا .. ومستمرة على أرض الواقع في مجتمعنا مع اختلاف الأحداث والأسماء .. وهي قائمة لأجل غير مسمى .. للأسف ..!
وهذه الإشكالية ماهي إلا نقطة في كثير من الإشكاليات المتخلفة التي تسكن مجتمعنا .. الذي يرفض أي مراجعة لها ولطرق تفكيره الجامدة في كل نواحي الحياة .. نعم مجتمعنا محتاج مراجعة وتغيير في كل نواحي حياته .
– المونتاج .. (احمد حافظ عبد العظيم)
لقد قدم لنا مسلسلا بشكل درامي جديد .. ذو إيقاع متلاحق بأحداث تصاعدية .. شيق لتسلم كل حلقة الأحداث للحلقة التالية لها .. باستكشافا جديدا يكمل بها البناء الدراما المأساوي للبطلة حنان .. فتضح الصورة التراجيدية الكاملة للمشهد .. وللمشاهد .. فافتتح كل حلقة بجزء فلاش باك لشرح ماحدث من قبل .. ليشرح ماشاهده المشاهد في الحلقة السابقة متضمنا ماحدث من انتزاع مركب زوجها منها بعد وفاة زوجها من قبل أبو واخو زوجها .. واساءة معاملتهم لها في اسكندرية .. مما دفعها بالفرار بالمركب والذهاب به إلى دمياط .. فقسم السيناريست والمخرج السيناريو إلى جزأين .. الجزأ الاول صغير فلاش باك ليجيب للمشاهد عن سؤال .. لماذا هي فعلت ذلك .. والجزء الثاني الرئيسي الأكبر ليستحوذ على وقت الحلقة بالكامل .. يحكي معاناتها بفرض حياتها الجديدة على الواقع الرافض دخولها له ..
المونتاج هنا من رغم نعومته في الانتقال إلا أنه كان شيقا من خلال إيقاع متلاحق بسرعة تصاعدية حتى سلمتنا للحلقة الأخيرة بشكل مقنع .. تاركا شحنة ناقمة وغاضبة على هذا الواقع المرئي عند ختام كل حلقة .. واستطاع تحقيق الإثارة المطلوبة دون أي مبالغة في مشاهد المطاردة بين شخصية حنان (منى ذكي) وصالح أخو زوجها (دياب) .. وبدون أن يقع في ان يصوره مسلسل إثارة وحركة .
– ‏الموسيقى التصويرية التي وضعتها الفنانة السورية ( ليال وطفة) جاءت ساحرة محكمة ومعبرة وبشكل مدروس ومنضبط .. متدخلة في وقت اللزوم لمضاعفة الشحنة العاطفية للمشهد .. أو لزيادة الاثارة والتوتر في مشاهد المطاردة .. ولم تقحم نفسها بشكل إسهالي مستمر فيصبح لها غلبة التعليق على كل المشاهد بشكل مزعج .. حتى تصيب المشاهد بالأذعان الغير مقنع .
ولذلك وظف المخرج مع مهندس الصوت ( اسلام عبد السلام ) الصمت باقتدار باعتباره أهم مؤثر صوتي يجذب المشاهد فيجعل للصورة المرئية التفوق لارسال المعنى ..
ووظفا أيضا المؤثرات الصوتية الطبيعية الأخرى لتنقل المشاهد للحدث بمصداقية .
مثل تأوهات وأنفاس الممثل عند الاندماج في أداء الدور .. و صوت البحر .. وحركة جنازير ونش المركب وغلق الأبواب والطرق عليها .. أو بكاء طفلتها وهكذا .. بدرجة متقنة .. فلم نشعر نهائيا بصناع المسلسل ولا بوجود المخرج أبدا أثناء المشاهدة .. فغلب عليه المصداقية بتمكن واقتدار من خلق جو عام ساحر وجذاب و ممتع للمسلسل .. وهذه أهم وظيفة من وظائف المخرج الناجح .. المصداقية في خلق الجو العام داخل العمل الفني .
وإلى اللقاء غدا في الجزء الثالث والأخير نتكلم فيه .. عن فن التمثيل المتميز في هذا المسلسل .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى