قراءة نقدية لمسلسل (تحت الوصاية) الجزء الثالث
كتبت د /امل عبد العزيز
٣ – ثالثا :-
– التمثيل
الممثل المجتهد يقوم بدراسة ومذاكرة الدور جيدا قبل الشروع في أداءه .. وبلا شك أيضا السيناريو الجيد هو الذي ينجح في رسم ملامح الشخصيات كلها كبيرها وصغيرها باتقان .. والمخرج المتمكن هو الذي ينجح في اختيار الممثل المناسب وتسكينه في الدور المناسب له .. فيساعد الممثل في إمساك ملامح ومحتوى الشخصية التي ستظهر على الشاشة .. فيقدم شخصية نابضة موجودة في الحياة بأداء مميز وجديد على الشاشة .
وكل ماذكرته تم في هذا المسلسل بنجاح .
و كل الممثلين قاموا بأدوارهم من صغيرها لكبيرها باقتدار .. دلالة على حقيقة معروفة في الوسط التمثيلي .. العمل الجيد المحترم يحترمه ويحبه كل من يعمل فيه .. فعملوا فيه الجميع بحب واخلاص .. فخرج العمل بكل هذا الصدق .. فتحية إلى كل فريق التمثيل في هذا المسلسل الناجح .. وتحية إلى مصمم الملابس .. لقد تطابق رسمها وتصميمها على محتوي الشخصية تماما . واضافت إلى الممثل الكثير وساعدته على أن يمسك بملامح شخصيته .
– منى زكي .. ( حنان أو الريسة ليلى)
تحية كبيرة لهذه الممثلة العاشقة لفن التمثيل والتي وصلت لمرحلة نضوج فني يضعها في مصاف الممثلين الكبار في فن التمثيل .. دائما منى زكي تتحدى نفسها عند القدوم لأداء أي دور تمثيلي جديد .. دائما تبحث عن الإضافة لها ولجمهورها .. وهي أدركت تماما كلما كانت الشخصية المختار تمثيلها قريبة من الناس .. وهي توغلت في عمق هذه الشخصية ستستطيع تقديمها بصدق أمام الكاميرا . متناسية تماما انها منى زكي النجمة الممثلة .. ولكنها هنا هي حنان الشخصية القائمة بأداء دورها في هذا المسلسل .
دور حنان امرأة بسيطة تعليمها متوسط .. قهرت من واقع اجتماعي فرض عليها فجأة .. وهو موت الزوج .. الزوج المعتمد عليه اعتماد كلي في تمويل الأسرة اقتصاديا مثل كثير من الأسر المصرية .. وبالأخص الزوج الأرزقي الذي يكسب رزقه من عمله اليومي مثل ملايين من البشر .. اي دون راتب حكومي .. و زال هذا الغطاء بفجأة الموت .. ليكشف لها المستور من كل مايسكن داخل الشخصيات المحيطة لها .. فعرفت أنهم رأوها امراة ضعيفة استضعفت داخل مجتمع ذكوري شرس جدا بشخصياته وقوانينه وعاداته وأعرافه .
ترفض حنان هذه الصورة تماما وتبوح عن أصلها القوي .. اهتمت منى ذكي برسم هذه الشخصية بملامحها الخارجية والداخلية لها باقتدار ..
شاهدنا ملامحها الخارجية .. أمرأة مصدومة مهمومة مكلوبة تحمل حزنها على كتفها بمفردها .. تجابه ذلك بإرادة من حديد لإثبات حقها في الوجود مع أبناءها وصون حقهم .. لا مكان لاهتمامتها الأنثوية على الاطلاق لانشغالها بقضيتها .. فقدمت لنا شخصية حنان بلحمها ودمها .. لتأكد لنا هناك الآلاف من حنان في مجتمعنا إلا أنها بسيناريوهات مختلفة كتبها الزمان والظروف لكل واحدة على حدى ..
فظهرت منى زكي دون أي مكياج لها إلا أنها كثفت حواجبها عمدا لتأكيد جلدها .. وغيابها التام عن عالم التجميل الأنثوي .. الذي أشار السيناريست و المخرج بشكل مقابل ومختلف عنه من خلال عالم عمل خطيبة أخو زوجها منى ( نهى عابدين) كعاملة في أحد صالونات التجميل في اسكندرية ..
العالم الذي لا تعرف عنه حنان شيئا ..
فظهرت لنا رابطة طرحتها بشكل بسيط لغرض ستر شعرها فقط .. لا تحمل أي طريقة زخرفية بتعدد ألوان البندا والطرحة بل جاءت سادة بألوان قاتمة وباردة .. و بعدم تنوع ربطتها طوال المسلسل .. واللجوء هنا للطرحة كغطاء منتشر في هذا الوسط الاجتماعي كعادة اجتماعية .. زي شاع انتشاره بناء على ظروف اجتماعية وسياسية فرضت في زمن من زماننا .. نتيجة لتغير توازنات سياسة الدولة في وقت من تاريخها .. وبالتالي اشارة إلى أنها شخصية تقليدية لاتحمل أي تميز .
فجاء اللباس متسعا محتشما لها .. خالي من أي أناقة .. ومن هذه الشخصية الخالية من أي تميز شكلي .. وبتتابع الحلقات وجدنا أن هذه الشخصية العادية تفرض حضور شخصيتها القوية بكفاحها وإصرارها الذي جعل الجميع ينظر لها باعجاب وانبهار من رغم بساطتها .
وشاهدنا خطوتها التي تشعرك بأنها تحمل هما ثقيلا يجعلها تجر قدميها جرا .. وطريقة حملها لطفلتها على وسطها مثل عامل السقا قديما عندما يحمل ماءه .. وكأنها تمتهن مهنة الأم بملاصقة البنت لها .. وتحملها المسؤولية .
أما داخليا .. استطاعت ان تعبر منى زكي على الانفعال الداخلي لها بشكل واعي .. فبعد ان فشلت في محاولتها العادية والطبيعية لمواجهة مصيبتها ومعاناتها .. أدت إلى اقتناعها التام بأن عليها أن تسلك طريق نزع حقها بالقوة .. فعليها بالتحمل وكتم أحزانها وهزائمها وعدم الاستسلام لها .. بشرف واصرار .. فجعلت من الجلد والصبر من أصل ملامح شخصيتها .. إلا في مشهد نهاية الحلقة الثامنة بعد إنهزامها أمام شراسة تاجر الجملة ( الحاج سيد) الذى قام بدوره الممثل المميز محمد عبد العظيم .. على الميناء التي رفضت للرضوخ له والعيش تحت جناحه رغم أنفها .. لرفضها لأي هيمنة ذكورية مستغلة لها .. رافضة مسلسل استضعاف المرأة في المجتمع الذكورى الشرس الغير معترف بعمل وكفاح المرأة .. أنهارت ورفضت لترى هزيمتها مرء العين لها .. رفضت الكلام مع ابنها وانفردت في غرفتها لوحدها وقامت التعبير عن هذه اللحظة منى زكي بشكل عبقرى بالضرب على فمها بعدم الرضوخ لبكائها والصراخ والبوح والعفو عن ألمها وحزنها المكبوت بالخروج منها .. رافضة تمام الاستسلام لضعفها وأن ترى نفسها أو يراها أى شخص آخر هزيمتها واستسلامها .. قمة التحدى والإصرار بالتمسك في الوجود داخل هذا المجتمع الظالم لها .. عجبا وكأن الظلم يبحث عنها بشغف .. تقابله مبحلقا فيها بشوق وبتبجح فائق .. إلا أنها بتتابع الحلقات .. استطاعت أن تفرض بكفاحها وإصرارها وطموحها في النجاح كريسة وتاجرة للسمك .. ففرضت على الجميع الاحترام لها .. والنظر لها بإعجاب وانبهار .
ونحن أيضا كمشاهدين انبهرنا لاتقانها في أداء هذا الدور الرائع .
وكلمة أخيرة للفنانة منى زكي .. أنتي وصلتي لأقصى مايتمناه الممثل القدير .. وهو أن تكوني مصدر ثقة عند المشاهد .. عندما يرى اسمك يثق في هذا العمل ويحرص على مشاهدته لانه أكيد سيكون عملا متميزا يحترم عقله ومشاعره .
وبذلك سيصبح لكي دور مجتمعي مضئ في رفع الذوق والوعي الفني عند المشاهدين .
– لابد أن نتوقف عند أداء الممثل الكبير (رشدي الشامي) لشخصية (عم ربيع) 65 عام .. هو ممثل عضو في المسرح القومي منذ أربعين عام .. مثل عديد من المسرحيات التي تقترب من المائة .. وعمل طوالها مخلصا وفيا لخشبة المسرح .. يعرفه القليل من الجمهور .. حتى جاء حضوره المميز الواضح والذي أبهرنا فيه دوره في مسلسل واحة الغروب 2017 بأداءه العبقري في دور الشيخ صابر .. تعرفنا على ممثل لديه قدره فائقة على رسم الشخصية المكتوبة لتطابق مافي خيال أي مخرج لتتحول إلى شخصية مطابقة للواقع .. لاتحيد على أنه هو صاحب الدور ولايمثل .. ينتمي لمدرسة التقمص الخارجي والداخلي للشخصية .. بيهتم بكل تفصيلة في دوره .. وفي هذا المسلسل وصل لدرجة أن المشاهد الذي لايعرفه كممثل يعتقد بأن المخرج استعان بريس حقيقي من الميناء .. وتجلى قمة أداءه في المشهد الأخير له .. ولحظات احتضاره .. مدهش حقا أوحى لنا من رغم ترنحه الخفيف متماسكا مدافعا عن كيانه ..توفى واقفا شامخا .. معتزا بنفسه وبعشقه للبحر كأنه تمنى أن يموت هكذا في البحر .. وهذا الممثل ينتمي لفئة الممثل القدير بشرف .. ممثل من العيار الثقيل ..
حالة الممثل الكبير رشدي الشامي دلالة واضحة على خلل العملية الابداعية والانتاجية في مصر .
كنت أتذكر .. ان المخرجين الكبار قديما عندما كانوا يبحثون عن وجوه جديده يقومون بالتفتيش في مسارح الدولة وحتى في مسارح الجامعات .. للكشف عن مواهب حقيقة جديدة نغذي بها الدراما المصرية بدماء نقية جديدة .. كان ياما كان .
نعود لعم ربيع .. هذا الممثل يتعامل مع مهنة التمثيل بعشق وبرهبنة ليس له في الأضواء وشغل الفرقع لوز والتسول .. يحترم مهنته .. يتقمص أي دور يطلب منه تمثيله .. فقط .. ولأنه فنان مثقف يدقق في اختياراته دائما .. وجب رفع القبعة له وبكل تقدير واحترام .. ولكي ندرب جمهورنا على من هو الممثل الذي يجب مشاهدته لأنه يحترمنا ويقنعنا . فوجب احترامه .
وأعتقد بهذا الدور (عم ربيع) سيضعه على خريطة الانتاج التليفزيوني في السنوات القادمة بشكل يليق به والاستفادة من قدرته الجبارة .. أتمنى ذلك ..
– كنت أتمنى بالكلام باستفاضة عن باقي الأدوار وبخاصة صالح عم الأولاد . وحمدي وعيد وشنهابي .. عمال المركب لقد اتقنوا دورهم باقتدار .
– وفي الختام نرسل تحية إلى الطفل الموهوب عمر شريف الذي يبلغ من العمر 13 عاما .. نجم المستقبل استطاع ان يرسل لنا معاني جميلة أهمها انه هو الابن الذي يقف في ظهر أمه في أزمتها ..
وعلاقة الابن بالأم من أجمل التيمات التي سحرت كثير من مبدعي فن السينما على الدخول في تفاصيلها بما فيها من نبل ومعاني انسانية دافئة وراقية .
– أخيرا ..
يسألني القارئ لماذا كتبت باستفاضة عن هذا العمل الفني الدرامي .. أقول له لأننا نحن أمام عمل درامي نموذجي في تحقيق المتعة والقيمة الفنية .. وقد حقق النجاح والجدارة والمشاهدة .. وهذه مهمة هامة للناقد الفني الواعي والقادر .. فهي مسؤولية عليه أن يشير بقلمه عن العمل الجيد والهادف .. فيسلط عليه الضوء .. ليحتذي به صانعي الأعمال الدرامية قبل القدوم والشروع بالقيام لأي عمل فني جديد .. و للنهوض بالدراما المصرية لتحتل مكانها الطبيعي مرة أخرى .. وللسمو بذوق المشاهدين ليصبحون قادرون على تقويم منتجي وصانعي الدراما في مصر فيما بعد .. فيتعرف بسهولة متى يساعد ويساهم في الأعمال الجيدة .. ومتى يرفض ويمتنع عن الأعمال التافهة والمتخلفة والتي تدعم البلطحة على أنها أسلوب حياة .. ونموذج
مشوة مرفوض .. للأجيال الحالية والقادمة ..
وختاما تحياتي وتقديري واحترامي لكل من عمل في هذا المسلسل القيم .. فنيين وفنانين وإداريين وتمنياتنا لهم بالاستمرار والحفاظ على هذا المستوى الرفيع في المستقبل .