لماذا الإمام الشافعي ..؟ (الجزء الأول)
كتبت د /امل عبد العزيز
نعم لماذا هذا المسلسل أخذ هجوما .. وتأييدا في نفس الوقت_..! بوعي أحيانا وبدون وعي أحيانا أخرى ..
هذا ماسنعرفه في هذا العرض الجاد على جزءين .
تعالوا نتناقش في ذلك بهدوء .. وسنبدأ ببعض الانتقادات التي وجهت له .. ومن الحلقة الأولى ..!!
مقدمة :-
أغلب المشاهدين كانوا يظنون أنه مسلسل ديني فنسمع منه الحكم والمواعظ التابعة للإمام الشافعي .. أو أنه مسلسل تاريخي ملتزم بالنسق التاريخي له .. مثل ماحدث في بعض المسلسلات الدينية التاريخية السابقة أو بعضها… وكان هذا الشكل المفضل لدينا جميعا لأن أغلبنا لايقرأ كتب التاريخ ونطلع من خلالها على ماحدث .. فأصبح المسلسل مصدرنا الوحيد للمعرفة والحكي عن التاريخ .. أما هنا فهو مسلسل درامي له رؤية خاصة وليس كتابا تاريخيا .. اهتمامه وتركيزه على الأحداث والمواقف التي قد يكون بعضها مؤلفا من قبل كاتب السيناريو .. ومن الواضح أن المسلسل تعرض لكثير من الانتقادات التي دلت على رغبة الكثير بالتأكيد على ان هذا المسلسل لم يتم له الإعداد الكافي الصحيح وبدأ أسلوب التصيد له والهجوم الغير مبرر عليه وسنعرض بعضها :-
١ – أولا :- الانتقادات
١ – البعض كان له تعليقات على الديكور والإكسسوارات فمثلا من تعجب من استخدام كوب الزجاج في الشراب .. هل كان هناك زجاج وقتها أم لا .. الزجاج عرفت صناعته في مصر تقريبا منذ الألف الأخيرة للتاريخ المصري القديم .. فلاغرابة في ذلك .
٢- وسمعنا أيضا هل كان في طوب أحمر تبنى بها البيوت أيام الشافعي ..؟! عجبا .. ماهو الطوب الأحمر هو طوب ني محروق .. و الطوب الني هو الطينة الزراعية المجفف الغير محروقة .. وحرق الطوب عرفه أيضا المصري القديم ومن فترة طويلة قد تصل لعصر بناة الأهرامات .. ولجأ إليها في أواخر عهده .. لهدم كثير من المنازل المصنوعة من الطين الني عند إتيان الفيضان .. ففكروا في حرقه ليصبح أكثر صلابة ومقاومة وقسوة فيتحمل أكثر .
وهناك غرضا درامي للتعبير عن مساكن الفقراء والعامة .. مثل ماصور الفقراء يفترشون نياما الشوارع .. وخطف الطعام من التجار لسد جوعهم .
٣ – تم نشر صورة للفنان خالد النبوي يرتدي نظارته الطبية وهو يتصفح ورقا أبيض فكان واضحا أنه كان يذاكر ويراجع دوره قبل التصوير بقراءة السكريبت المكتوب .. وفي جريدة المصري اليوم وعلى مواقع السوشال ميديا .. هل كان هناك نظارة في عصر الإمام الشافعي ..؟!
وسرعت قناة الحياة على موقعها بنشر صورة كاملة لمساعدة المخرج وهي تراجع مع خالد النبوي دوره .. لأنها تقوم بإذاعة المسلسل وتريد له النجاح .. وهو فعلا أقوى مسلسل معروض في رمضان حتى الآن .
٤ – وسمعت الكثير يسخر من حقيبة الإمام الشافعي المصنعة من القماش والتي كانت ملاصقة له دائما حاملها على كتفه وصدره ..! الحقيبة كانت رمز لكل طالب علم .. و البسطاء كانوا يصنعونها من القماش .. و الأغنياء من الجلد وهذا أيضا منذ العصر المصري القديم .. وكانت الحقيبة ملاصقة له .. وأعتقد كان هذا مقصودا من قبل المخرج وخالد النبوي .. وتكررت كثيرا في عدة مشاهد لما لها من دلالة قوية لشخص الشافعي .. وطرح سؤال حمل السلاح أم حمل حقيبة العلم ..؟!
وكما كان ومازال الحكام والحرس والعسكر يحملون السلاح للحماية .. العلماء يحملون العلم لحمايتنا كلنا .. وهو الأجدر من أن نحمل السلاح فقط لحمايتنا .. الحماية الحقيقية في العلم وليس في السلاح وهذا أوضحه المخرج من أول حلقة من خلال مشهد الترحال إلى مصر .. فعندما كانوا سائرين إلى مصر قابلتهم قوات تعترض القوافل ورفعت السيوف من الجانبين لأنهم لم يتقنوا غيرها.. لغة القتال والقوة والعنف .. إلا عندما تدخل الإمام الشافعي بقوة حجته ووسع أفقه وطلاقة لسانه .. أقنع هذه القوات بالابتعاد عن طريقهم بل بالترحاب بهم لأنهم ضيوف ويجب الترحاب بيهم .. بل أصبحوا أصدقاء له فيما بعد وحموه من الموت فيما بعد عندما أرسل الوالي قواته للتخلص منه .. لأن الوالي كان مرتعبا وكارها له.. ومن انتشار مكانته بين الناس ومدى تأثيره عليهم هيبته و مكانته والرغبة من الكثير في التعلم منه .. وليس جبنا وخوفا منه .. فكان يرى فيه ولي العهد عائق كبير لفرض استبداده على البلاد .
نعم صدق الإمام الشافعي عندما قال…
الأمة التي لاتعطي للعلماء حقهم لاخير فيها .
٥ – أما بالنسبة للغات واللهجات المستخدمة في المسلسل التي أخذت نصيبها في الهجوم والنقد .. وهي الفصحى للعرب والعامية للمصريين .. فعند وقت دخول الشافعي إلى مصر كان شعبها المصرى يتحدث باللغة القبطية .. مع مرور الوقت اختلطت العربية الفصحى بالقبطية ونتج منها العامية .. والقبطية تقلصت وأبقى عليها رجال الكنيسة أثناء تأدية الطقوس الدينية داخل الكنيسة فقط .. وأصبح الشعب المصري يتحدث بالعامية للمسلمين والأقباط على السواء يديرون بها حياتهم لحتى الآن .. ولما لها من انتشار بين الناس وليس الفصحى . ولذلك أبقى كاتب الحوار على العامية للشعب المصرى لأنها سلسة وهي المنتشرة و المفهومة بين المشاهدين .. وليس للمصريين فقط بل عند باقي الدول العربية لانتشار الأغاني والأفلام الناطقة بالعامية فيها .
٦ – عدم الالتزام بالسرد التاريخي ..
كنا نظن في هذا المسلسل سيكون خط سيره طولي تاريخي يسرد السيرة الذاتية للإمام الشافعي ويصور ماحدث بالظبط .. فاكتشفنا رويدا رويدا أنه ليس كذلك .. فهو عمل درامي استلهم شخصية الشافعي وأضاف وحذف ليصل إلى المضمون الذي أراد المخرج والسيناريست أن يطرحاه ويناقشاه .. وسلط الضوء على فترة معينة وهي انتقال الإمام الشافعي إلى مصر ومكوثه فيها حتى أن وافته المنية وتم دفنه بها ..
فاتهموا المسلسل بأنه غير دقيق .. من رغم أن صناع الفيلم وضحوا ذلك بكتابة هذا المعنى في لافتة على الشاشة قبل بداية كل حلقة توضح بأنه غير ملتزم بالسرد التاريخي وهناك إضافة أو حذف تبعا لظروف سرد السيناريو للمؤلف .
وهنا لابد أن نوضح الآتي ..
– العمل الفني الدرامي له آلياته وعالمه الإبداعي الخاص به .. الذي يحمل تأليفا واختيارا وإضافة وحذف لتأكيد وجهة نظر صانعي العمل ولتوضيح رسالتهم من غرضهم منه .. فجاء غير ملتزم بما ذكر في التاريخ بالظبط .
( وشهادة على ماأقوله .. هناك تجربة شهيرة لفيلم المهاجر الشهير إخراج يوسف شاهين .. والخلاف الذي وصل إلى المحاكم لمنع عرض الفيلم .. الفيلم الذي استوحى فيه يوسف شاهين قصة النبي سيدنا يوسف في عمل سيناريو فيلمه.. وكسبها باقتناع القاضي أن التاريخ والعمل الدرامي مختلفان .. ولكل منهما عالمه وآليته الخاصة به )
أما التاريخ له آلياته وقوانينه الخاصة به .. علما بأنه حتى في التاريخ تحضر النسبية في الرؤية اي يقع تحت مفهوم وجهة نظر .. فمثلا هناك فرق كبير بين التاريخ الذي يسجله الحكام وعلية القوم .. ومن التاريخ الذي يسجله المؤرخون الذين ينتمون لعامة الشعب ..
وهناك أيضا فرق بين التاريخ الذي يكتب في أحضان الوطن الذي قد تمتزج فيه العواطف وبين مايكتب من ماهو خارج الوطن .. الذي يغلب عليه الموضوعية والحقائق وقد يتلوث أحيانا ببعض مشاعر الكراهية .. ( وشاهد على ذلك رؤيتنا لشخصية تاريخية معروفة مثل نابليون نحن نراه محتلا مخادعا وكذابا وقاتل .. أما في فرنسا يرونه بطلا قويا جسورا فاتحا عظيما)
وهنا ننتهي بعرضنا للانتقادات التي أثيرت .. وفي الجزء الثاني غدا سنتعرف على إيجابة سؤال العنوان .. السؤال الأهم .. لماذا الإمام الشافعي ..؟